تشهد المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة افتتاح العديد من المقرّات الإقليمية للشركات العالمية في العاصمة الرياض لمزاولة نشاطها، في خطوة تعكس حرص المملكة على أن تكون الوجهة الكبرى والأكثر استقطابا للاستثمارات الكبرى في المنطقة.
وتأتي هذه الخطوة في إطار الجهود الرامية إلى تنويع الاقتصاد السعودي، والانتقال من الاعتماد على النفط بشكل رئيسي إلى اقتصاد متنوع ومتطور، إضافة إلى توفير الآلاف من فرص العمل للسعوديين، وتعزيز سوق الاستثمارات الأجنبية.
وتعدّ الثقة التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي على المستوى الدولي من العوامل المؤثرة في جذب الشركات العالمية إلى المملكة، حيث تعد السعودية وجهة جذابة للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
كما تدعم الحكومة السعودية هذه الخطوة من خلال توفير بيئة ملائمة للاستثمار، وتسهيل الإجراءات الإدارية لهذه الشركات.
وضمن أحدث الخطوات لتحقيق هذه الإستراتيجية وتعزيز مكانة المملكة كوجهة استثمارية عالمية، أصدر مجلس الوزراء السعودي في مارس/آذار الماضي قرار إنشاء البرنامج السعودي لجذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية، على أن يكون تحت إشراف مجلس إدارة الهيئة الملكية لمدينة الرياض.
ومن المتوقع أن يسهم البرنامج في إضافة نحو 67 مليار ريال (نحو 18 مليار دولار أميركي) للاقتصاد المحلي، وأن يوفر نحو 30 ألف فرصة عمل جديدة بحلول عام 2030.
تعزيز الاستثمار الأجنبي
ويأتي هذا البرنامج ضمن مبادرات الإستراتيجية الوطنية للاستثمار التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتهدف بشكل أساسي إلى تنمية الاقتصاد الوطني وتنويع مصادره، مما سيحقق العديد من أهداف "رؤية المملكة 2030″، بما في ذلك تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر لتصل إسهاماته إلى 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتهدف المملكة من وجود الشركات العالمية على أراضيها إلى ضخ الاستثمارات في الاقتصاد السعودي، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من القطاعات، مما يخفض من معدلات البطالة ويحفز النمو.
وكانت وزارة الاستثمار السعودية قد كشفت في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن أكثر من 80 شركة عالمية أصدرت تراخيص نقل لمقراتها الإقليمية إلى العاصمة الرياض.
يذكر أن الحكومة السعودية والمؤسسات المدعومة من الدولة ستتوقف عن توقيع العقود مع الشركات الأجنبية التي تتخذ مقار لها في أي دولة أخرى في المنطقة، اعتبارا من بداية عام 2024.
بالإضافة إلى ذلك، خصص ولي العهد السعودي محمد بن سلمان 800 مليار دولار لتحويل الرياض إلى واحدة من أكبر عشرة مدن اقتصاديا في العالم، وهو ما يعكس التزام المملكة بتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف "رؤية المملكة 2030".
وقبل أيام، قال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح إن 90% من الشركات التي تمّ التوقيع معها لنقل مقارها الإقليمية اختارت العاصمة الرياض، مضيفا أن السعودية لديها طموح عال من خلال مدينة الرياض لجعلها مدينة متعددة وكبيرة بعدد سكان يتراوح بين 15 و20 مليونا، والمساهمة بأكثر من 30% من الناتج المحلي، لافتا إلى أن الاستثمار في الاقتصاد المحلي تجاوز تريليون ريال (نحو 266 مليار دولار) في 2022 لأول مرة.
أفضل 10 مدن اقتصاديا بالعالم
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أكد الفالح أن بلاده لا تستهدف 80 أو 100 أو 200 شركة عالمية، بل تتوقع الوصول إلى عدد كبير قبل عام 2030، وأن تكون الرياض العاصمة الكبرى في الشرق الأوسط سياسيا واقتصاديا ولكبرى الشركات العالمية.
وتعليقا على التوجّه السعودي لزيادة مقرات الشركات الأجنبية في المملكة، يقول الخبير الاقتصادي السعودي حسام الدخيل إنه مع اهتمام القيادة السعودية بتنمية اقتصاد المملكة وتنويعه وتقليل اعتمادها على النفط، أعلن ولي العهد السعودي عن خطة إستراتيجية لتطوير الرياض وجعلها مركزا إقليميا رئيسيا للشركات العالمية، وزيادة عدد سكان المدينة بما يضاعفه إلى 3 أضعاف ما هي عليه الآن، وتعزيز أثرها الاقتصادي بحلول عام 2030، مشيرا إلى أن المدينة تشهد تنفيذ أكثر من 80 مشروعا ستسهم في جعل الرياض ضمن أفضل 10 مدن اقتصاديا في العالم.
ويضيف الدخيل -في حديث للجزيرة نت- أنه في ضوء ذلك أقرّ مجلس الوزراء السعودي إنشاء البرنامج السعودي لجذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية، موضحا أنه بعد فترة وجيزة من هذا الإعلان حصلت عشرات الشركات العالمية الكبرى على تراخيص بتأسيس مقرات إقليمية لها في العاصمة السعودية، مثل شركة بيبسيكو (PepsiCo) وسامسونغ (Samsung) وسيمنز (Siemens) وفيليبس (Philips) ودايمنشن داتا (Dimension Data) وغيرها من كبرى الشركات.
ويلفت الخبير الاقتصادي السعودي إلى أن اختيار مدينة الرياض لهذه الخطة يعود إلى أنها تشكل 50% من الاقتصاد غير النفطي في السعودية، بالإضافة إلى أن تكلفة خلق الوظيفة فيها أقل بـ30% من أي مدينة أخرى.
ونبّه إلى أن السعودية أنفقت على البنية التحتية بشكل كبير، وسهلت جذب كبرى الشركات من خلال تسهيلات ضريبية وتيسير إجراءات القدوم وتأسيس الأعمال، إلى جانب إطلاق عدد من المشاريع العملاقة مثل إنشاء شركة طيران الرياض التي تأسست في الربع الأول من 2023 وبدأت بقوة عبر طلبها أسطول طائرات متطورة.
كما أشار إلى إعلان ولي العهد السعودي عن إطلاق المخطط العام لمطار الملك سلمان الدولي في مدينة الرياض، والذي سيكون واحدا من أكبر المطارات في العالم بمساحة تبلغ 57 كيلومترا مربعا وطاقة استيعابية تصل إلى 120 مليون مسافر بحلول 2030، و185 مليون مسافر في عام 2050.
ولفت إلى أن هناك عددا من المشاريع الأخرى التي تهيئ نجاح مشروع برنامج جذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية، مثل مشروع الرياض الخضراء الذي يهدف إلى زيادة نسبة المساحات الخضراء بما يعادل 16 ضعف المساحات الخضراء الحالية، ومشروع حديقة الملك سلمان التي ستكون أكبر حديقة في العالم في شمال وسط مدينة الرياض.
ويشير الدخيل في الختام إلى أنه بحسب الإحصاءات المعلنة مؤخرا، انخفض معدل البطالة بين السعوديين إلى 8% لأدنى مستوى مسجل، مقارنة مع عام 2021 الذي بلغ فيه معدل البطالة 11%، واقترب من المعدل المستهدف لرؤية 2030 بتخفيض معدل البطالة إلى 7%.
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة السعودية تستهدف نقل 480 مقرا إقليميا إلى الرياض خلال 10 سنوات.